يكتب محررو "ديوان" في مؤسسة كارنيجي أن دور شركات الاستشارات الكبرى في إدارة الأزمات الإنسانية يثير تساؤلات أخلاقية خطيرة، لا سيما حين تفتقر هذه الشركات إلى الخبرة في مجال الإغاثة.

تشير مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي إلى أن شركة "مجموعة بوسطن الاستشارية" (BCG) أدّت دورًا محوريًا في تصميم "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF)، وهي مبادرة مدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل بزعم توزيع المساعدات الغذائية على سكان غزة. لكن سرعان ما اتضح أن النموذج المُقترح يتسم بالقصور والخطورة، ويخفي خلف واجهة إنسانية أهدافًا تتعلق بتهجير السكان.

الأمم المتحدة دانت النموذج منذ البداية، وصرّح الأمين العام أنطونيو جوتيريش بأن الخطة "غير آمنة بطبيعتها". وظهر أن مجموعة بوسطن الاستشارية اقترحت حزم "إعادة توطين" بقيمة 9000 دولار للفرد، بهدف تشجيع تهجير نصف مليون فلسطيني من غزة، في خطوة وُصفت بأنها تغطية "طوعية" لسياسات تطهير عرقي.

شراكات متعددة دعمت هذا المخطط، من بينها شركة أوربس الأمنية الخاصة وشركة "ماكنالي كابيتال" المالكة لكيانات تُشرف على العمليات في غزة. وقدّمت إدارة ترامب تمويلًا بمقدار 30 مليون دولار للمشروع، فيما شاركت شركات أخرى لتقديم تصور اقتصادي للقطاع بعد الحرب.

أنشأت مؤسسة غزة الإنسانية أربعة مراكز توزيع فقط لخدمة أكثر من مليوني فلسطيني، ما جعلها بؤرًا للعنف والموت بدلًا من الإغاثة. منذ مايو، قتل أكثر من ألف شخص أثناء محاولتهم الوصول للطعام، وظهرت تسجيلات تُظهر جنودًا إسرائيليين يرشّون النساء والأطفال بالغاز أثناء تدافعهم للحصول على الغذاء.

انسحبت شركة مجموعة بوسطن للاستشارات لاحقًا من المشروع بعد تصاعد الانتقادات، واستقال اثنان من مسؤوليها التنفيذيين. إلا أن هذا الانسحاب لم يُعفِ الشركة من المسؤولية الأخلاقية، إذ شاركت في بلورة نموذج يربط المساعدات بإفراغ غزة من سكانها، ما يثير شبهة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية.

كشفت وثائق داخلية عن تعاون بين المجموعة و"معهد توني بلير للتغيير العالمي"، تضمن تصورات اقتصادية لما بعد الحرب، حيث قُدّرت كلفة التهجير بخمسة مليارات دولار، لكن المقترح أشار إلى أن تهجير السكان سيوفّر 23 ألف دولار عن كل فرد يُغادر، ما يعكس منطقًا تجاريًا بحتًا يربط الربح بتهجير الفلسطينيين.

على الأرض، وصف أحد المتعاقدين السابقين مع المؤسسة، الضابط الأميركي المتقاعد أنتوني أجيلار، المهمة بأنها "إجرامية"، متهمًا القوات الإسرائيلية باستخدام القوة العشوائية ضد المدنيين الجوعى. وردّت المؤسسة عليه بوصفه "موظفًا ساخطًا"، في محاولة لتشويه شهادته.

رغم انسحاب المجموعة، تظل مشاركتها مؤشرًا على فشل أخلاقي أوسع في خصخصة العمل الإنساني، خصوصًا في مناطق الصراع. ربط المساعدات بالأرباح والفعالية الإدارية يتجاهل الواقع الإنساني والسياسي للسكان المتضررين.

في سياق الدمار الهائل في غزة، حيث سقط أكثر من 60 ألف قتيل منذ أكتوبر 2023 وفق وزارة الصحة، تبدو مشاريع كهذه وسيلة لفرض واقع لا يُطاق على السكان ودفعهم للرحيل. ويصف مراقبون ذلك بأنه مخطط للتطهير العرقي، وهو جريمة حرب في القانون الدولي.

يؤكد التقرير أن التجربة الفاشلة لمؤسسة غزة الإنسانية يجب أن تدفع لإعادة تقييم جذري لدور الشركات الربحية في إدارة الكوارث. لا يجوز ترك الأزمات الإنسانية بيد شركات لا تمتلك لا الكفاءة ولا الرؤية الأخلاقية، فالحروب ليست ساحات لتجريب نماذج تجارية، بل تتطلب تدخلًا مؤسساتيًا مسؤولًا يحترم الكرامة الإنسانية ويضع حياة الناس فوق أي اعتبار ربحي.
https://carnegieendowment.org/middle-east/diwan/2025/07/consultants-on-death?lang=en¢er=middle-east